هل تشعر وكأنك خارج جسدك؟ تعرّف إلى اختلال الآنية.. عندما تصبح الحياة فيلمًا غريبًا!

by elrefaayeid
0 comments

هل سبق وشعرت فجأة أنك تنظر إلى نفسك من الخارج؟ أو أن العالم من حولك يبدو ضبابيًا وكأنك تشاهد فيلمًا غريبًا لا تشارك فيه؟
إن كنت قد مررت بهذه التجربة، فأنت لست وحدك. ما تشعر به يُعرف في علم النفس باسم اختلال الآنية (Depersonalization) — حالة غامضة يعيشها كثير من الناس دون أن يعرفوا اسمها أو أسبابها.

في هذه المقالة من زاوية نفسية، سنأخذك في رحلة داخل هذا العالم المربك:
ما هو اختلال الآنية؟ لماذا يحدث؟ وكيف يمكن التعامل معه بطرق علمية وإنسانية بسيطة؟


🧠 ما هو اختلال الآنية؟

اختلال الآنية هو اضطراب نفسي يشعر فيه الشخص بانفصال عن ذاته أو عن واقعه. كأنه يراقب نفسه من بعيد، أو يعيش حياته في “مشهد غير حقيقي”.
تصفه الجمعية الأمريكية للطب النفسي بأنه أحد اضطرابات تبدد الشخصية والواقع (Depersonalization/Derealization Disorder).

بعبارة أبسط:
هو عندما تشعر أنك موجود جسديًا، لكن وعيك يقف على بُعد خطوة منك.

“كنت أنظر في المرآة ولا أشعر أن من فيها أنا” – جملة شائعة يرددها من يعانون من اختلال الآنية.


⚡ كيف يشعر من يعاني من اختلال الآنية؟

المصابون غالبًا يصفون إحساسهم بهذه العبارات:

  • “كأنني في حلم دائم.”

  • “كل شيء حولي يبدو آليًا أو بلا روح.”

  • “أشعر أنني منفصل عن جسدي أو صوتي.”

  • “لا أستطيع وصف مشاعري بدقة.”

وقد تستمر هذه الحالة لدقائق أو ساعات، وأحيانًا لأيام. في بعض الحالات النادرة، قد تستمر لفترات أطول وتؤثر في جودة الحياة اليومية.


💬 مثال واقعي:

تقول “ليلى”، 29 عامًا، بعد تجربة فقدانها لشخص عزيز:

“بعد الجنازة، شعرت كأنني أعيش من وراء زجاج. أرى الناس وأسمعهم، لكن لا أشاركهم المشاعر.”
هذا المثال يوضح كيف يمكن أن يظهر اختلال الآنية كآلية دفاع نفسية أمام الصدمات العاطفية أو التوتر الشديد.


🔍 الفرق بين اختلال الآنية والجنون

من أكثر ما يخيف الناس حين يشعرون بهذا هو اعتقادهم أنهم “يفقدون عقلهم”.
لكن الحقيقة أن اختلال الآنية ليس جنونًا، ولا يعني أنك تفقد صلتك بالواقع كليًا.
أنت تدرك تمامًا أن ما تشعر به غريب وغير طبيعي — وهذه النقطة وحدها تفرّق بينه وبين الذهان أو الفصام.


🧬 الأسباب المحتملة لاختلال الآنية

تشير الدراسات النفسية إلى أن هناك عدة عوامل وراء حدوث هذه الحالة، منها:

1. الصدمات النفسية:

مثل فقدان شخص عزيز، أو التعرض لحادث أو عنف.
يستخدم العقل “الانفصال المؤقت” كآلية لحماية النفس من الألم الشديد.

2. التوتر والقلق المزمن:

الضغوط اليومية، خاصة مع الأرق والإرهاق، يمكن أن تؤدي إلى تشوش في إدراك الذات.

3. اضطرابات القلق والاكتئاب:

نسبة كبيرة ممن يعانون من اختلال الآنية لديهم تاريخ من اضطرابات القلق العام أو نوبات الهلع.

4. نقص النوم والإجهاد العصبي:

قلة النوم المستمرة قد تؤثر على مناطق الدماغ المسؤولة عن الإدراك والشعور بالذات.

5. بعض المواد الكيميائية أو المخدرات:

تؤدي أحيانًا إلى تحفيز هذا الشعور، خاصة مع استخدام الحشيش أو بعض المهدئات بجرعات عالية.


🧭 كيف يفسر العلم ما يحدث في الدماغ؟

أظهرت دراسات تصوير الدماغ (fMRI) أن الأشخاص الذين يعانون من اختلال الآنية لديهم نشاط مفرط في مناطق الوعي الذاتي مثل الفص الجبهي، مقابل نشاط أقل في المناطق المسؤولة عن المشاعر.
بمعنى آخر: العقل يراقب المشاعر بدل أن يعيشها.


💡 متى يتحول اختلال الآنية إلى اضطراب؟

من الطبيعي أن يمر الإنسان بلحظات “انفصال” مؤقتة عند التعب أو الصدمة.
لكن إذا استمر الشعور لفترة تتجاوز أسبوعين، أو بدأ يؤثر على العمل والعلاقات، فقد يكون من الضروري استشارة مختص نفسي لتقييم الحالة.


🧘‍♀️ طرق التعامل مع اختلال الآنية

لا يوجد علاج واحد يناسب الجميع، لكن هناك استراتيجيات فعّالة أثبتت الدراسات فعاليتها:

1. العلاج النفسي (CBT):

العلاج المعرفي السلوكي يساعد المريض على إعادة الاتصال بذاته من خلال تحدي الأفكار غير الواقعية، وتدريب الانتباه على اللحظة الحالية.

2. تقنيات التأريض (Grounding):

مثل لمس الأشياء من حولك، أو التركيز على الأصوات، أو العد التنازلي للأشياء التي تراها.
هذه التمارين تُعيدك تدريجيًا إلى الإحساس بالجسد والواقع.

3. العناية بالنوم والتغذية:

النوم الجيد وتناول طعام متوازن يقللان من الإرهاق الذهني الذي يزيد الإحساس بالانفصال.

4. الابتعاد عن المنبهات والمخدرات:

القهوة الزائدة أو التدخين أو المواد المهدئة قد تزيد من حدة الأعراض.

5. العلاج بالأدوية (عند الحاجة فقط):

في بعض الحالات، قد يصف الطبيب مضادات اكتئاب أو قلق للمساعدة في تنظيم كيمياء الدماغ.


💬 اقتباس من خبير نفسي:

“اختلال الآنية ليس عدوًا، بل رسالة من العقل تقول: أنا مرهق.. أعدني إلى الحاضر.”
— د. منى شطا، أخصائية علم النفس الإكلينيكي.


🕯️ نصائح عملية للعودة إلى الواقع اليومي:

  • مارس التأمل الواعي (Mindfulness) يوميًا ولو لخمس دقائق.

  • تحدث مع صديق موثوق عن تجربتك.

  • مارس أنشطة تذكرك بجسدك مثل المشي أو اليوغا.

  • قل لنفسك عند الشعور بالانفصال: “أنا هنا.. أنا بخير.”


📊 معلومات سريعة:

  • نسبة انتشار اختلال الآنية في العالم تتراوح بين 1% إلى 2% من البالغين.

  • 80% من الناس مرّوا بإحساس مشابه ولو مرة واحدة في حياتهم.

  • النساء أكثر عرضة بنسبة طفيفة من الرجال.


🌼 الخاتمة:

اختلال الآنية ليس نهاية الطريق، بل إشارة تحتاج إلى راحة نفسية وإعادة توازن.
تذكّر أن إدراكك لما يحدث هو أول خطوة نحو التعافي.
إذا شعرت بأن هذه الحالة تؤثر على حياتك اليومية، لا تتردد في طلب المساعدة من مختص نفسي — فالعلاج متاح والعودة إلى الواقع ممكنة جدًا.

✨ ابدأ رحلتك نحو التوازن من اليوم… لأنك تستحق أن تشعر بأنك “هنا فعلًا”.

Leave a Comment