“إنت راجل… والراجل ما يعيطش.”
عبارة صغيرة، لكنها أول درس في الكبت العاطفي،
وأول طوبة في بناء “الرجولة الصامتة” التي نحملها جيلاً بعد جيل.
لكن السؤال الجوهري: هل المجتمع يربي الذكر على الكبت؟
وهل الكبت هو ما يصنع الرجولة… أم ما يسرقها ببطء؟
الرجولة كما تُروى… لا كما تُعاش
منذ الطفولة، يُلقَّن الذكر العربي دروسًا غير مكتوبة:
أن يبقى قويًا، صلبًا، لا يضعف، لا يبكي، لا يخاف، لا يطلب المساعدة.
يُمنع من التعبير عن الألم لأن “الرجال لا يشتكون”،
ويُجبر على قمع مشاعره الطبيعية كي يحافظ على صورة “الرجل الحقيقي”.
وهكذا، ينشأ طفل صغير بداخله طوفان من المشاعر المكبوتة،
بينما خارجه رجل يبتسم بثبات.
لكن هذا الثبات كثيرًا ما يكون قناعًا هشًا يخفي تحته خوفًا من الانكشاف، أو شعورًا عميقًا بالوحدة.
حين يُمنع الرجل من البكاء، لا يتوقف حزنه… بل يتعلم كيف يختبئ.
🧠 محتاج جلسة نفسية أو استشارة متخصصة؟
احجز جلستك الآن مع أخصائيين موقع زاوية نفسية
💬 تواصل على واتساب
تواصل معنا مباشرة على واتساب 👇
الكبت كآلية بقاء نفسية
من منظور نفسي، الكبت ليس دائمًا ضعفًا، بل أحيانًا آلية بقاء.
حين يعيش الذكر في بيئة لا تسمح له بالتعبير،
يتعلم أن يكبت كي ينجو من السخرية أو العقاب أو الإحراج.
لكن ما كان وسيلة نجاة في الطفولة، يتحول في الكبر إلى عبء ثقيل:
يمنعه من التواصل، من الحب، من البكاء، ومن العطاء الصادق.
يُصبح “الصلابة” درعًا صدئًا،
يحميه من الخارج لكنه يجرحه من الداخل.
الثقافة الذكورية… مصنع الكبت الجماعي
في الثقافة العربية، تُربط الرجولة بالقوة والتحكم والقيادة،
بينما يُنظر للعاطفة على أنها ضعف، والرقة على أنها أنوثة.
فيُنتج هذا المزج المفاهيمي ما يُعرف بـالكبت الذكوري الجمعي —
مجموعة من المعتقدات التي تُقنع الذكور بأن المشاعر خطرٌ على مكانتهم.
- “الرجل ما يشتكيش.”
- “الرجولة إنك تتحمل بصمت.”
- “الحنية تقلل من قيمتك.”
هذه الجمل ليست مجرد كلمات، بل أدوات تربية تشكل اللاوعي الجمعي،
وتزرع داخل الذكر “فجوة” بين ما يشعر به وما يُسمح له أن يُظهره.
تُربّي ثقافتنا الذكور على القوة،
ثم نلومهم لأنهم لا يعرفون كيف يحبّون.
كيف يتحول الكبت إلى أذى نفسي؟
الكبت المستمر لا يختفي، بل يتراكم.
ومع مرور الوقت، يظهر بأشكال مختلفة:
- نوبات غضب غير مبررة: لأن الغضب هو العاطفة الوحيدة التي يُسمح للرجل بالتعبير عنها.
- انفصال عاطفي في العلاقات: فيبدو “باردًا”، لكنه في الحقيقة خائف من الرفض أو الضعف.
- اكتئاب مقنّع: حيث يُخفي الألم تحت قناع العمل المفرط أو الدعابة الدائمة.
- إدمان أو سلوكيات تدميرية: كطريقة للهروب من ألم لا يجد له لغة.
📰 موضوعات تهمك
الإرشاد النفسي.. الطريق الهادئ لفهم نفسك وتغيير حياتك بدون دوشة ولا تعقيد
ليه بعض الأمهات بيتعلقوا بولادهم تعلق مرضي؟… فهم الجذور النفسية والعاطفية لهذا الارتباط وتأثيره على الأم والطفل
التغيرات العقلية في مرحلة المراهقة… كيف يعيد الدماغ تشكيل نفسه في هذه المرحلة الحسّاسة؟بحسب الدراسات النفسية الحديثة، الرجال أقل طلبًا للمساعدة النفسية بنسبة 70٪ من النساء،
لكنهم أكثر عرضة للانتحار بثلاث مرات تقريبًا.
هذا لا يعني أن الرجال أضعف، بل أنهم صامتون أكثر.
من أين يبدأ الحل؟
ليس الهدف إلغاء مفهوم الرجولة، بل تحريره من القيود القديمة.
أن نُعيد تعريفها لتشمل القوة والرحمة، المسؤولية والعاطفة،
أن يتعلم الرجل أن يبكي دون أن يُحاسَب،
وأن يقول “أنا متعب” دون أن يُتَّهَم بالضعف.
الرجولة ليست غياب الدموع،
بل القدرة على أن تبكي وتبقى واقفًا بعدها.
من زاوية نفسية
كل رجل يحمل داخله طفلًا صغيرًا لم يُسمح له بالبكاء يومًا.
ذلك الطفل لا يختفي، بل يعيش صامتًا في أعماق النضج.
وعندما يُمنح أخيرًا الإذن بأن يُسمع، يبدأ الشفاء الحقيقي.
أن نُربي الذكور على التعبير لا على الكبت،
هو استثمار في جيلٍ أكثر اتزانًا، أكثر صدقًا، أكثر إنسانية.
تمارين وعي بسيطة
- تذكر آخر مرة شعرت فيها بالحزن… هل سمحت لنفسك أن تعبّر؟
- اكتب رسالة إلى الطفل الذي كنتَه: ماذا كنت تريد أن تسمع حينها؟
- في محادثاتك اليومية، استبدل “أنا تمام” بـ “اليوم مش في أحسن حالاتي” — تجربة صغيرة تفتح بابًا كبيرًا.
خلاصة ملهمة
الرجولة الحقيقية لا تُبنى على الكبت، بل على الوعي.
أن تكون قويًا لا يعني أن تكون قاسيًا،
وأن تكون صادقًا مع مشاعرك لا يعني أنك ضعيف.
فالقلب الذي يعرف كيف يشعر… هو أصدق أشكال القوة.
شاركنا رأيك في التعليقات:
هل تعتقد أن ثقافتنا ما زالت تُربّي الذكر على الكبت؟
وما الذي نحتاجه كي نُعيد تعريف الرجولة من زاوية أكثر إنسانية؟
🧠 زاوية نفسية — نساعدك تشوف حياتك من زاوية أهدأ وأعمق.
تابع أحدث المقالات النفسية والنصائح الحياتية على موقعنا دائمًا 💙
🧠 محتاج جلسة نفسية أو استشارة متخصصة؟
احجز جلستك الآن مع أخصائيين موقع زاوية نفسية
تواصل معنا مباشرة على واتساب 👇