كل أب وأم يبدأان الرحلة بنية الحب.
لكن مع الوقت، يتحوّل هذا الحب أحيانًا إلى ضغط،
إلى خوفٍ من الفشل، وإلى سباقٍ نحو الكمال.
في ظاهره “حرص واهتمام”،
وفي جوهره قلق مستتر من ألا يكون الطفل كما نتمنى.
فنبدأ نُراقب، ونوجّه، ونقارن، وننتقد،
حتى ننسى أن الطفل لا يحتاج والدًا مثاليًا،
بل إنسانًا حقيقيًا يشعره بالأمان.
🌿 بداية الحكاية: حين نحب بخوف
الكمال في التربية يبدأ غالبًا من خوف الأهل، لا من قسوتهم.
الخوف من أن يفشل الابن، أن يُؤذى، أن يُرفض، أن “يضيع”.
🧠 محتاج جلسة نفسية أو استشارة متخصصة؟
احجز جلستك الآن مع أخصائيين موقع زاوية نفسية
تواصل معنا مباشرة على واتساب 👇
فنحاول أن نتحكم في كل شيء:
أكله، نومه، دراسته، صداقاته، مشاعره.
نريد أن نحميه من الخطأ،
لكننا — دون قصد — نحرمُه من التجربة التي تجعله إنسانًا.
وهكذا، ينشأ الطفل وهو يربط بين “الحب” و”الأداء”.
يظن أن قيمته مرتبطة بدرجاته، بسلوكه، بمدى رضى والديه.
وهنا، يولد ما نسميه في علم النفس:
الابن المطيع خارجيًا… المكسور داخليًا.
💭 الكمال في التربية… وجه آخر للقلق
الأب المثالي في خياله يرى ابنه بلا عيوب،
الأم المثالية تتخيل طفلاً لا يخطئ، لا يتعب، لا يعاند.
لكن في العمق، هذا الكمال صورة هشة للهروب من القلق.
كلما خاف الوالد من المستقبل، زاد تمسكه بالتحكم.
وكلما خاف من الخطأ، شدّد أكثر في التربية.
لكن التربية لا تُدار بالخوف،
بل بالوعي.
الخوف يجعلنا نُصلح السلوك دون أن نفهم السبب.
الوعي يجعلنا نرى وراء السلوك:
ما الذي يحاول الطفل قوله حين يخطئ؟
🌸 حين يتحوّل الحب إلى مشروع
الكثير من الأهل لا يربّون أبناءهم… بل يصنعون مشروعهم فيهم.
مشروع الطفل المثالي الذي يعوّض ما فاتهم،
أو يُثبت نجاحهم أمام المجتمع.
لكن الطفل ليس “فرعًا ناجحًا” من حياة الأهل،
بل كائن مستقلّ له تجربته الخاصة.
حين نربط قيمته بإنجازاته،
نخلق طفلًا يتعلّم أن الحب مشروط.
وحين يكبر، يظل يبحث عن القبول من الجميع،
ويخاف أن يُخطئ، لأنه لم يتعلّم أن الخطأ جزء من النمو.
🌙 الكمال في التربية… يقتل الفضول
الطفل بطبيعته يريد أن يكتشف.
يريد أن يسأل، يجرب، يتّسخ، يسقط، يخطئ.
لكن الكمال يمنع هذا كله.
“احذر، لا تفعل، لا تلمس، لا تجري، لا ترد.”
فنصنع طفلًا مهذّبًا في الظاهر، خائفًا في الداخل.
طفل لا يعرف ماذا يريد، لأنه اعتاد أن يُقاد لا أن يختار.
طفل لا يجرب لأنه يخاف من العقاب أو الخذلان.
وهكذا، نربّي “نسخة مطيعة” بدل أن نربّي إنسانًا حرًّا.
💫 التربية ليست ضبطًا… بل علاقة
التربية في جوهرها ليست تعليم الأوامر،
بل بناء رابطة أمان بين الأهل والطفل.
الطفل الذي يشعر أن والده يراه في ضعفه،
ويحبّه رغم أخطائه،
ينشأ واثقًا، قادرًا على مواجهة الحياة.
أما الطفل الذي لا يُسمح له بالخطأ،
فإما أن يُصبح متمرّدًا،
وإما أن يُصبح منسحبًا بلا هوية.
التحكم الزائد لا يخلق أبناء مثاليين،
بل أبناء يلبسون أقنعة ليرضوا والديهم.
🌧️ من منظور علم النفس العائلي
الكمال في التربية يُعدّ من أنماط “التربية المفرطة الضبط (Overcontrol Parenting).”
وهي تقوم على الخوف من فقد السيطرة،
مما يجعل الأهل يتدخلون في كل تفاصيل حياة الأبناء.
نتيجة ذلك:
-
ضعف الثقة بالنفس عند الأطفال.
-
القلق الدائم من الفشل.
-
اعتماد مفرط على رأي الآخرين.
-
صعوبة اتخاذ القرار.
-
رغبة مرضية في الكمال أو العزلة.
الطفل في هذه البيئة لا يتعلّم “كيف يختار”،
بل فقط “كيف لا يُغضب أحدًا.”
📰 موضوعات تهمك
دواء لعلاج التوتر: هل الحل في الحبوب أم في فهم الجذر النفسي
نظريات الشخصية في علم النفس: كيف تشكّلت ملامحنا النفسية عبر الزمن؟🌸 الأهل أيضًا بشر
قبل أن نحاكم الأهل، علينا أن نتذكر:
الكثير منهم يكررون ما تعلّموه دون وعي.
هم أيضًا كُبروا على جمل مثل:
“عيب، الناس هتقول إيه؟”
“ما تغلطش أبدًا.”
“الولد الكويس دايمًا يسمع الكلام.”
فأصبحوا — دون قصد — يربّون أبناءهم بنفس الخوف.
لكن الوعي يبدأ حين يسأل الأب أو الأم نفسه:
“هل أريد ابني أن يكون مثاليًا… أم أن يكون بخير؟”
🌿 الفرق بين التربية الواعية والكمالية
| التربية الواعية | التربية الكمالية |
|---|---|
| تهتم بالعلاقة | تهتم بالنتائج |
| تسمح بالخطأ والتعلّم | تعاقب على الخطأ |
| تركز على الشعور | تركز على السلوك |
| هدفها النمو | هدفها الصورة |
| الطفل يشعر بالأمان | الطفل يشعر بالتهديد |
الطفل لا يحتاج بيتًا مثاليًا،
بل بيتًا يُخطئ فيه دون أن يُدان.
💬 الأم المثالية التي تتعب في صمت
تلك التي تريد أن تفعل كل شيء بشكل صحيح:
أم مثالية، زوجة مثالية، عاملة مثالية.
لكنها في الحقيقة مرهقة جدًا.
لأن الكمال يستهلك الروح.
هي لا ترتاح لأنها لا تسمح لنفسها أن “تخطئ”.
تعيش في مقارنة دائمة مع صور الأمهات على السوشيال ميديا،
وتنسى أن طفلها لا يحتاج أمًا كاملة،
بل أمًا حقيقية، تضحك، تبكي، وتخطئ.
🌾 ماذا يحتاج الطفل فعلًا؟
-
حضن أكثر من نصيحة.
-
استماع أكثر من توجيه.
-
تواصل أكثر من مراقبة.
-
سؤال “كيف حالك؟” بدل “ماذا فعلت؟”.
-
مساحة ليجرب ويختار ويكتشف.
الطفل يتعلّم من الأمان أكثر مما يتعلّم من التعليم.
فحين يشعر أنه محبوب مهما حدث،
يتعلّم المسؤولية بدافع داخلي لا خوف خارجي.
🌙 من منظور الطفل
الطفل لا يفهم الكمال…
يفهم فقط شعورًا بسيطًا:
هل أنا محبوب كما أنا؟
حين ينجح ولا يُحتفى به إلا بالنتائج،
يبدأ يربط الحب بالإنجاز.
وحين يخطئ ويُعاقب بقسوة،
يبدأ يخاف من الفشل أكثر من حبه للنجاح.
وهكذا، يَكبر وهو يضع لنفسه معايير مستحيلة.
وحين يفشل في بلوغها،
يجلد ذاته بنفس القسوة التي رُبي عليها.
🌸 كيف نكسر دائرة الكمال؟
1️⃣ اعترف أنك لست مثاليًا، ولن تكون.
الطفل لا يريد والدًا كاملًا، بل والدًا حقيقيًا.
2️⃣ اسمح لطفلك أن يخطئ دون إهانة.
الخطأ ليس جريمة، بل فرصة للتعلّم.
3️⃣ احكِ له عن أخطائك.
ليتعلم أن النضج لا يعني الكمال.
4️⃣ راقب خوفك، لا سلوك ابنك فقط.
حين تخاف، تتصرف من القلق لا من الوعي.
5️⃣ قل له “أنا فخور بك” دون شرط.
هذه الجملة وحدها تزرع في قلبه أمانًا لا تمحوه السنين.
💫 التربية ليست تدريبًا… بل حوار
الطفل ليس صفحة فارغة تكتب عليها ما تريد،
بل روحٌ تتكوّن أمامك.
حين تُحبه بوعي،
تسمح له أن يُصبح نفسه، لا صورتك.
وحين تتقبله كما هو،
يتعلم أن يتقبل نفسه أيضًا.
الكمال في التربية ليس حبًا زائدًا،
بل خوف متنكّر في شكل حب.
والحب الواعي لا يخاف من العيوب،
بل يرى فيها ملامح الإنسان الحقيقي.
🌤️ في النهاية:
الكمال في التربية وهم جميل… لكنه قاتل.
يخنق العلاقة بين الأهل والأبناء باسم “الحرص”.
يحوّل الحب إلى مراقبة،
والرعاية إلى سيطرة.
في زاوية نفسية نؤمن أن التربية ليست سعيًا للكمال،
بل سعيًا للعلاقة الحقيقية التي تمنح الأمان.
الأطفال لا يتذكرون الأوامر،
بل الوجوه التي كانت حنونة حين أخطأوا.
وإذا أردت أن تربي ابنًا سويًا،
علّمه أن الكمال لا وجود له،
وأن الحب الحقيقي هو الذي يبقى حتى حين نتعثر.
🧠 زاوية نفسية — نساعدك تشوف حياتك من زاوية أهدأ وأعمق.
تابع أحدث المقالات النفسية والنصائح الحياتية على موقعنا دائمًا 💙
🧠 محتاج جلسة نفسية أو استشارة متخصصة؟
احجز جلستك الآن مع أخصائيين موقع زاوية نفسية
تواصل معنا مباشرة على واتساب 👇